بوادي الكبابيش .. بقلم: عبيدالطيب “ودالمقدم”
السَّلَق ، بسين مشدَّدة، ولام فاتحة ،وقاف ساكنة ،هو الذئب ، وسلق عدا ورفع صوته بالصياح . و”سلوق” أرض، أو قرية باليمن، نسب لها الكلاب السلوقية، قال القطامي:
معهم ضوار من سلوق كأنها حصن تجول تجرر الأرسانا
السلق ورد في كثير ، من شعر الموروث ، وقيل هو قائد السموع ودليلها ، والسموع نوع من الذئاب والضباع ،تمتاز بالخفة والسرعة وحدَّة السمع،وقيل: “أسمع من سِمع” وهو من ذئاب الجبال، حتي نجد بعض الجبال و”القلع” سميت بإسمه مثلا،”جبيلات السِّموع” وكذلك تمتاز السِّموع بحاسة الشَّم، وقوة الملاحظة مع خفة الحركة، حتي نجد أهل البادية ، أخذوا منه ،خفة “النقة” الخبب،والصيد خلسة، و”الشيوم” السري ليلا، ووصفوا به جمالهم. وعن سمع الجبال، بكسر السين، يقول الراحل الشيخ محمد شريف العباسي، واصفا جمله بالذئب “الضَّيب” :
الوادي الغزير شِقلو وغديرو مسرَّف
ياريت إن قبيل بيهو الزمان ماعرَّف
الضَّيب العلي راس القلع بتكرَّف
رزم وإتشابا لي ليم الغروب يتشرَّف
ولقد قرأت ُ للكثير من الباحثين والمهتمين بأدب الموروث ، شرحوا السَّلق بالكلب السَّلوقي ، ونسبوه لمنطقة، أوقرية سلوق باليمن ، مثله مثل الكلب الكتيوي الذي نسب لصعيد مصر ، حتي وجد مايشبهه منقوشا علي إهرامات الفراعنة.
والمهم أن مفردة سلق صارت ذات خصوصية وديمومة وإرث في بوادي السودان.
هناك رأي آخر وهو ان سلق ،تطلق لنوع من الذئاب، وتحديدا قائد الذئاب ودليلها ،وباقي الذئاب، يسمونها السِّموع وواحدها سِمع ، بكسر السين.
وقيل السَّلق ، هو الذي يبحث عن الطرائد ، والذئاب “السِّموع” تجري خلفه ، ولأنه سريعا، يلحق الطريدة أولا، ويقتلها، ثم يأكل كبدها وماجاورها ، ثم يضعها مقلوبة ،أي يضع المكان، الذي أخرج منه كبدها ،علي الأرض ، حتي لاتعرف الذئاب ذلك ، فتطارده وتقتله ،وهذا رأي بوادي كردفان، خاصة،قبائل الكبابش ،بني جرار، الكواهلة، حمر ،دارحامد ، المجانين…الخ، وكذلك قبائل دارفور ،وتحديداأهلناالزيادية والمحاميد ،تقول مُغنية الجراري الكباشية، تمدح جملا ، وتصفه بالسَّلق:
السَّلَق العاط سمَّاعو
الناس من شوفتو انرَّاعو
ابوفرشا لي ضراعو
زقيِّا فوق فراعو
عَاطْ أي عوي،والسِّموع هي الذئاب، ، وإنراعوا من المُرتاع، أي إندهشوا،وإجتمعوا، والزِّقي نوع من النبات المتسلق للأشجار كاللبلاب،والشعلوب،شبهت الجمل ،من سرعته بالسَّلق الذي يجري خلف الطرائد، ومن سرعته ، لا تلحقه الذئاب، وإنما يسبقها ويقتل فريسته، ثم يعوي بصوته ، ليدل الذئاب”السِّموع” لمكان الطريدة، تقول مغنية الجراري “السّلق العاط سمَّاعو” ويقول صاحب المعجم الوسيط “”سلق اي عدا وصاح ورفع صوته”وهذه مقاربة هامة جدا، وهنا منتهي السرعة، حتي تجد أن الناس وهم مجتمعون،عاجوا برقابهم وهم في حالةٍ من الذِّهول،من سرعة الجمل، وجماله وفوق ذلك، له فرشا ، من الفراء الفاخرة والسجَّاد ، يتدلي إلي زنده، وكأنه نبات الزِّقي الذي يتسلق الأشجار.
ومن نفس المعني يقول الراحل ريد ودمحمد توم النورابي الكباشي:
بِطانَك ساج..حزامك قَرَن في بوَّك
ويا سَلَق السِّموع اللَّي المجالْقَات عوَّك
سَدْر الِّنقَلَج بي توبُو نام وإتسَوَّك
راميني ومكسِّرني وبقيتَ متوَّك
بطانك ساج اي “إنرخي” والحزام هو الحقاب، وقرن اي إلتف حول جسمك”بوَّك” وسوجان الحزام وإلتفاف الحقاب، يدلان علي ضمور الجمل، أنظر إلي الربع الثاني، السلق يبحث عن الطرائد “المجالقات” ، من مجالقة، وأهل البادية ،إذا قالوا فلان جلَّق، أي بحث عن شئ، وعوَّك أي عوي ، ويقول الأصمعي: سلق اي صاح بصوتٍ شديد”، وهذه مقاربة.
الفرقة العليك اتقست
سلقَنْ جالق الجروي ووطاتو اتمسَّت
إت يا تيس حَرد المخلوفة منك حسَّت
مابي الهَزِّي والصّوط والكِراع اللَّسَّت
***********************
الفرقة العليك بعيدي
سلقن جالق الجروي ومسك لي طريدي
علي الويحيدي وعند ناس ابوها فريدي
جرك قصَّص الدَّير وخلا اصابعي جَقِيدي
الفرقة يقصد ما تبقي من مسافة في سيره،و”الجروي” يقصد الجروة من جرو، والويحيدي اي وحيدة والديها ،والدّير هو الرسن ، جمله قوي وسريع ، حتي عندما إنتصفت المسافة، صار كالسلق الذي يبحث عن الطرائد لجروته،وعندما يتوجه لفرقان ، وحيدة والديها ، تزيد سرعته ،حتي جرح يدي من شدَّه للرَسن ،ورسن الدَّير،يُصنع من جلد بقر الوحش، الذي يتواجد ويختلط كثيرا مع الإبل، في رحلة الجزو الشهيرة، يقول الشاعر الكباشي وأظنه طه الأزرق ود السِّراج:
طلقت من رشاش الزِّيفي فوقنا تصوِّي
دايرين ينعم السَّافل مشاتي الحوِّي
اسيادها يعلقوا الدَّقما ام حديدن قوِّي
يجيبو رسانة ابو قرون الدِّقاق متلوِّي
طلقت من رشاش ، اي ترك جمله ولم يسرجه ،لأنه يدخره لرحلة “الجزو” الشهيرة، حيث تخضر”تنعم” مراعي ،الشتاء لإبله”الحوِّي” ، وأهل البادية إذا قالوا:جمل “أحَوْ” اي لونه بين الحُمرة والسواد،والدَّقما يقصد بندقية”أم عشرة” غير “أُم قرون”، وحملهم لسلاح”الدَّقما” وإختلاطهم بالمها والجآذر، حتما سوف يصطادونها، ومن جلدها يصنعون أرسان وأرسن جمالهم،وتصوّيِ أي صوت الرياح، ومن أجمل ماسمعته في وصف الرياح وصفيرها، ووصف قوافل البدو وهم يمتطون الجمال، قول الشاعر الكباشي العدوسي :
يا الرزَامه ما بتتْحـــَكَّــى
رَكبِكْ شوفتو صقّاراً عقــَد لى الرّكــِّى
جقله العندك اسيادك بيابو الجكى
قاعدة تطاردى عواية الخلا المنفَكى
مدهشون هؤلاء البدو…..! وصف مهول عندما وصف الشاعر، قافلة من الرجال وهم يمتطون الجمال، وصفهم بالصقور عندما تتأهب للنزول، وتحطُّ علي رؤوس الأشجار، والمدهش جدا، نعته للرياح، ب
“عواية الهوا المنفكِّي” عواية من العوَّة وهي صوت ثلَّة من الناس، ومنفكِّي اي هبوب الرياح، “جقلة” إسم معزَّة للنوق،من العِزْ، ولمعزتها نجد أهلها يدافعون عنها، ولايولّون الأدبار”الجكَّه”، في الدفاع عنها،مشاتي من مُشتي، ويقصد نبات الشِّتاء،”الجزو”تقول الخنساء:
“كثير الرَّمادِ إذا ماشتا” ”
والجزو هو المرعي الشتوي الصحراوي ، وهي أيضا مفردة فصيحة، حيث قُلبت الهمزة واو “الجزء”، يقول لبيد:
“حتي إذا بلغت جمادي ستة جزءاً فطال صيامه وصيامها”
يقول الشاعر الرائع علي ود قدَّال، السراجابي الكباشي، يصف جمله بالسَّلَق
أجيكَ مخوي مو الكّبَك الكبار كيعانو
وكيف قلب الكديس بخلف بظِر جوغانو
بي الجََر صبّح الدَّير فاضي من قُطرانو
سَلَقَن بات قَوا وأصبح مفارق اخوانو
الكبك كناية عن كبر خفه،بخلف اي ينوِّع العزف،نقول “خلف لود الزُمبارة”، والجوغان شجر تصنع منه السروج،اجيك اي يجيك مخوي-لاحظ مخوي تقال عادة للصقر وهي كناية عن السرعة، ثم بعد مدة ياتي بتشبيه اخر وهو “كالسِّمع” ولايستجيب لي جر الرسن (وهي الفرملة) حتي مشق يد صاحبه التي اصبحت كقطعة القماش التي ينضف بها القطران من الرسن.
الجوغان نوع من الأشجار، تُصنع منها سروج وأكوار الجمال، والشاعر شبه ، صوت جوالس ،سرج بعيره ،من حركة الخبب، بالصوت الذي يخرج من صدر الكديس،ومن سرعته صار، كسلق السِّموع، الذي أمسي جائعا،”بات قوا” ولم يجد طريدة، ثم أصبح وهو بعيدا من أخوانه السِّموع
يقول أيضا ودقدَّال ، عن جمله الشهير الدولاب:
ساسَك غلقو القش المِغيس عــرقو
وقنــَّب منو قِرَّاوى السواقه بّدَرقوا
ليلك بوبا يا السَّلَق السِّموعَك بــِرقو
وسيدك عندو فوريكة النميم ما بسرقو
ساسك أي اساسك ،وغلَّقو اي ملأه شحما ولحما،القَش المغيِّس عِرقُو، يقصد نبات الجزو،حيث تكون جذورة،ضاربة “مغيِّس”بعمق التلال، والقراوي أي سوط العنج، وبدرقو اي أخبأه منه ،وبرقو بباء مكسورةأي في حالة تأهب ذهابا وإيابا، وفوريكة أي مصنع، الشاعريذكِّر بعيره، بأنَّه إمتلأ شحما،حيث يرعي نبات الجزو،حتي صرتُ أخبئ، منك السَّوط، ثم يحثه علي السير، حيث يقول له: لقد أليل اللّيل، أيَّها الذئب الفاتك، “السلق”حيث أخوتك من الذئاب ، “السِموع”، صاروا جياعا، ينتظرون إنغضاضك علي الفريسة،ومادام الحديث ،عن الشاعر ودقدَّال، نتطرق قليلا، ونقف في الوصف المذهل، لهذا الشاعر للجمال، وتراكيبه الغير مطروقه، وخاصة في جمله “الدّولاب” ونأخذ أربعة مرابيع:
دولابى الكِمِل لحمو وفضل لى بوُّو
فى البِحَلمبهن سيدك مــَرادو وهــَوُّو
سبــَق البى دخاينو ونصارتو بِعوُّو
على الزول الطمح جوزو ومِراكــِب توُّو
البَّو مفردة فصيحة، ومازالت متداولة بالبادية الغربية، وتحمل نفس المعني العربي القديم، والبوْ هوجلد فصيل، “حوار”، ولد الناقة، يُحشي بالعشب ، وتصنع له قوائم ودعائم من العيدان، ويوضع أمام الناقة التي مات “حوارها”، فتشمه و”ترايمه”، وتألفه حتي تدُر لبنا صافيا، قالت الخنساء:
فماعجول لدي بوٍّ تطوف به لها حنينان إعلان وإسرارُ
أودي بها الدَّهر فهي مرزمة قد ساعدتها علي التحنان أظارُ
العجول هي الناقة الحزينة علي موت حوارها، والمرزمة هي الناقة التي تُكثرُ من الحنين وتصوت وترزم حزنا علي موت حوارها، والمفردتين ، عجول ومرزمة موجودة بالبادية وبنفس الإسم والمعني يقولون
“ناقة معجَّل، ويطلقون علي الناقة أُم رزيم”
وطمح من الطماح بضم الطاء،وهي أن ترفض المرأة زوجها (يقال مرة طامح)، وهذا موضوع آخر ومتشعب ، سوف نتطرق له، تفصيلا لاحقا، وفي البادية الشرقية، يسمونه “التتور”، ومراكب أي صارت فتاة,بمعني صارت مرأة،تقابلها”فرهدت” ،ظهرت عليها علامات الأنثي، وتوُّو من لتوه، اي دخلت مرحلة المراهقة.
يقول الشاعر علي ودقدَّال:
أيامك ديلا رقّيت وانهمر فى رتِعْتَك
والبول لُكْ لوح زورك ركز فى ضلعتك
الدَّرب جاب ليهو لى هكرا مهمِّص تحتك
جرد لالوبة جرقُومك تِعِد فى سبحتك
أنهمرت ضمُرت بطنك، وعُفت المرعي، من شدَّة الهياج ،حتي أن ظهرك إمتلأ بولا ، وصار لزجا كالصمغ “لُك” ومن هزالك وضمور بطنك ،أن زورك إلتصق مع الضلوع ،والهكر هو الطريق الوعر من حيث الهبوط والنزول وتكون به عقبات من الحجارة الصغيرة ومجاري المياه،ومهمِّص أي به حُفر، ثم أنظروا لوصف هذا الشاعر، لحركة اسنان الجمل،مع خياشيمه وهديره، وصفها بجرد الدرويش لمسبحته، ومفردة “الجرد والصقط” متداولة عند أهلنا المتصوفة، الجرد أن تسبح جردا بدون عدد، تمسك تلاثة حبات،من المسبحة، وتجردها ، فتحدث صوتا مع همهمة الدرويش، والصقِط، أن تسبح واحدة واحدة ، يقول الشيخ البرعي:
ب التسبيح صقط أو جردو
والإلفية نومو تجردو
يقول ود قدَّال:
زورك طال وبطنك رقَّت
وماريقتك مع حسبت سدايسك شقَّت
من حسارام صادق النار بقَّت
عجيلة الدَّربُو سفَّل بى الخضيرى الجقَّت
الجمل إذاهاج ،يطول زوره، وتضمُربطنه،و الماريقة هي حبة الذُرة، وهنا يقصد بها بزوغ ناب الجمل لأول مرَّة، والجمل عندما يُكمل “سديس” يطعن ويطلع نابه،والجمل يكون سديس، عندما يدخل السنة السابعة وناب بعد إكمال سبع سنوات، وأم صادق هي الغزال، ويقصدبها محبوبته،وعجيلة من عجلة ، ويقصد المها، وسفَّل اي ذهب شمالا، والخضيري أي خضرة، من إخضرار، جقَّت اي إمتدت،وهنا يقصد مراعي الجزو”الجواديل” حيث تكون ممتدة،وشديدةالإخضرار، في وسط تلال قُفر، حيث تهُب عليها رياح الشتاء”جقَّت” فتزيدها إخضرارا.
ولد الناقة ،الحوار، بعد إكمال، كل عامٍ، يصير،(مفردود، ودلبون، حِق،جدع، تني،رباع، وسديس)وبعدها ناب أو “نايب”
وعن “السَّديس” يقول شاعر كباشي يمدح صديقه وربيعه ، ومن شعر البداوة المعتَّق:
أخوي موهو السفيه فجَّر مع سِت رَيْ
كرَّب سرجو فوق شوشة السَّديس موتْنِيْ
أخويا برابع العكصة المعاها المَيْ
أخويا بداوي لي أُم فلج الجناهنَْ نَي
فجَّر أي ذهب باكرا من الفجر،وري من الراوية ويقصد الورود(ليس سفيها أو الفقير الذي يذهب مع بنات الفريق لجلب الماء )،برابع اي يجاور، أهل البادية في نجوعهم ونشوغهم ،إذا جاوره أحدا ببهائمه ، يسمونه “ربيع” ،وهي ذات خصوصية وحميميه كالصديق والرفيق ، وتجمع علي “رباعة”،والعكصة هي بقر الوحش، والمَي هي المها، والإسم قديما، حتي أن محبوبة الشاعر الفحل ، غيلان بن عُقبة التميمي” ذو الرُّمة” إسمها مي، وبداوي تختلف عن يواوي، الناقة إذا ولدت لتوها، يكون ولدها رخوا “نَيْ” ولايقدر علي السير مع الإبل، لذا تجد أمَّه تتأخر، ولا تستطيع اللحاق بالنوق، فنجد صاحبها “يداوي” لها ، يصدر صوتا رخيما، “دو..دو..دو..”، فتسمعه وتسير علي درب النوق، وأم فلجة هي الناقة(اي ان صاحبه ،دليلا ماهرا ، حيث يذهب إلي اقصي المراعي في الشمال الغربي، حتي تختلط المها مع إبله،و”ترابعه” وصاحبه،خبيرا برعي الإبل، ويهتم كثيرا ، بالتي تلد لتوها،حتي أنه ،ينشد لها الأراجيز، بصوته الشَّجي، كأنها أطفالا صغارا.
يقول ايضا الشاعر ودقدَّال :
زورك طال وجوفك رقْ
وبولك عفَّس النوتيه من فوق جَقْ
جرقومك بهندِّس فى النَّدل ما بق
ناسى القزَّ نهَّادوا وصغيِّر دَق
هذه لوحة رائعة رسمها، هذا الشاعر المفلق، للجمل الهائج، والجمل عندما يهيج، يضمُر ويطول زوره، ويمتلأ عُرف سنامه “النوتية” بالبول، وجمال تصويره شبه البول، عندما يرشح بذيل الجمل، ويهرقه لأعلي وينزل فوق ذروة السنام، شبهه،بضرب السوط “جق”، لأن السوط يشق الجلد، وبول البعير يفلق عُرف السنام،وكأني بجمله واقفا وهو “يمصع”، وعند صياله ،تخرج هدارته أو “دلاعته” من حلقومه،والتي تشبه صوت الطبل،والشاعر فرحا معتزا به، ولكنه يذكره “بشيوم”، التي نهدها كحُق الحاج.
نعود للسِّمع، يقول الشاعر الفحل حمد ودالصغير الراحلي الكباشي:
ود الحُر زمن دهرو الدِّيوش لمْلُو
سمحن عالي والصَّهابه شاداتلُو
فكيتو اندلق والشُّلَّق اتبارلُو
سمعن ضايق الصيد الجِعَارمابحِلُّو
هذه المربوعة طافرة وفارطة ، ومن شوارد الدوبيت ،ومن أجمل ماسمعته في وصف الجمال وسرعتها ،ودالحُر إسم جمله،وحُر اي اصيل،لملُّو إجتمعت حوله،والصهَّابة هي النجائب من الجمال،فكيتو أطلقت له العنان، وإندلق أنطلق،ونقول إندلقت الخيل أي إنطلقت بشدة، والشُّلَّق اي الجمال القوية، إتبارلُّو أي عن يمينه وشماله، والجعار صوت الغزال، جمله ودالحُر في زمانه، تأتي القوافل، لمشاهدته من جماله ،حتي صار زائع الصيت،ويأتوا البدو بالنجائب من جمالهم للسباق،وعندما إجتمعن الجمال حولي أطلقت له العنان”فكّيتو”، فأنطلق بسرعة فائقة،”إندلق”،تحاكي سرعة الخيل، وعندما لمح الجمال من حوله، إشتدت سرعته حتي صار “كالسلق” ، الذي لحق طريدته، و”السلق” هو أسرع حيوان ثدي علي الإطلاق، لأن الصيد هو اسرع ذوات الثدي، والسلق أو السِّمع يلحقه ويفترسه ، معروف أن الشاعر الشنفري، كان عداءً سريعا، ويعُد من اسرع الناس، ولأنه عاش مع الحيوانات، وخاصة السباع والذئاب والضباع،وعرفها جيدا، وعرف ان “السِّمع” هو أسرعها، لذا شبه نفسه بالسِّمع ، فقال
أناالسِّمع الأزلُّ فلا أبالي ولو صعُبت شناخيب العقابِ
ولاظمأٌ يُؤخرني وحرٌ ولاخَمصٌ يُقصِّرمن طِلاب
للشاعر حمد ودالصغير، علو كعب في مفردة الموروث ‘والتراكيب المُدهشة جدا، أنظروا لجمال هذه المربوعة، وشمولها للكثير ،من المفردات الضاربة، بجذورها في عُمق الموروث،يقول ودالصغيِّر:
ود إنْدَرجو جاك ضَكَر الطريق أرْقِلْبُو
طالب الرَّاسي مَسْتُور العِروض مو مِسِلْبو
دور اللَّدْرَع اللِّبس الشفون بِقدِلبو
نزل الجرف ؤمَسك الوادي مِتّوتِلْبُو
مع قراءتي المتواضعة لأدب الدوبيت، لم أجد شاعرا، حشد مربوعة دوبيت بمفردات قويّة جدا،وموغلة في بداوتها، كهذا الشاعر، المربوعة دي براها قاموس للمفردة الطافرة وطاعمة، أولا، تسميته لجمله،ب”ود إندرجو” والبدو إذا قالوا لك إندرج، اي إتحزَّم وإستعد ،ثم أدخل معها، “ضكر الطريق” يا الله دي الشرح والله يفسدها،و مع “الرَّاسي” اي السَّحي ووهيط، أضاف “مستورالعروض”،اي عرضه مصون، ثم أدخل مفردة عكسها ،لكنها وزنت الشطرة”مو مِسلبو”، الضد يظهر حسنه الضد، “مسلبو” هي المرأة اللعوب ،ثم “اللَّدرع” وهي بقرة الوحش ،مع القدلة وثوب الشفون ،ومفردة الجرف وإنحداره، مع نزول الفرقان ،”الدور”،يقصد بها الدكَّة أو “الفريق”الخيام حيث تُبني “متِّوتلة”، اي الخيام والبيوت، متجاورة لبعضها، ولكن كل بيت، يتأخر من الثاني قليلا، “متوتل”، (الشاعر يخاطب جمله ويحثه علي السير، بأن الطريق سلك لك، لذا أكثر من الخبب،لأنك تتجه صوب الغيداء الخود الدَّخيمة، “أُم عروض”،والمصون عرضها،وكأني بهذه الوهنانة المتحرية ،لبست ثوب الشفون،وصارت تمشي الهوينة”تقدل”، بين فرقانها”دور”، والتي ضربت خيامها متقاربة، لأنهم بالمدامر)حيث قال: (نزل الجرف ومسك الوادي متوتلبو)والضمير هنا في “متُّوتلبو”راجع ل”دوراللَّدرع” اي فرقان “اللَّدرع” ،حيث قال: نزل الجرف ، ونقول ناس فلان نزلوا بمنطقة كذا “أي ضربوا خيامهم في ذلك المكان ،أولا أهل البادية لا يبنون بيوتهم بباطن الأودية إلاّ في الشتاء،ليأمنوا عواقب السيول، ثم تكون الأودية ساترا، للبهائم من البرد، لذا تجد خيامهم متقاربة قليلا وفي صفوف ،”متوتلة” وتتأخر كل خيمة عن خيمة أُخري قليلا، ولهم عادة حيث أنهم يخشون “الكِم” ، والكِم بكسر الباء، هو أعلي مكان ببيت الشَّعر،ولايقبلون “كم” خيمة يناظر خيمة أُخري،لله ردهم من قوم……!
وللشاعر حمد ودالصغير ، مسدار رائع جدا،وهو قادم من مراعي الشمال الغربي،”الجزو”، ميمما صوب المدامر،بوادي الملك،يمتطي جمله الشهير”ودالحُر”، وهو من المسادير النادرة في بوادي الغرب، وبه تضاريس وجغرافيا وإجتماع، سوف نتطرق له لاحقا، ومنه قال:
ود الحُر بلد عاجة ام دقون جافاها
وأم عِيشوبة هي وضهر الحمار نطَّاها
دِيك الصفرة قِدامو الرِّهاب قلاَّها
وتومة سيدو في العد الطِّوال متواها
مفردة “تومة، تومي”، عندأهل البادية، أعمق من حبيبة ومحبوبة
ويقول صالح ودالدِّحيش الغزَّاوي الكباشي عن السِّمع:
الليلة الحضين مسك الفيافي ومدَّا
والدَّير قطَّعُو وقطرانو كلو أتفضَّ
سمع شكري عليهْ قطع الحقاب وأنْشدَّا
سِمعاً طارد الغزلان بدور اتغدا
مُدهش جدا ،الإسم الذي أطلقه الشاعر لبعيره،”الحضين”تصغير حُضن، وودالدِّحيش، من الشعراء الظرفاء ،يقول:
اللَّيلة الصعيد شال برقو كبَّ نزيلُو
فكَّر قلبي للفدْغِي البنولُو حَجيلُو
أبو ربش الفي الدِّيوف لفَيت لقيت متيلو
بتمنَّالو درجات البخت فوق جيلُو
لفَّيت من لفَّ اي قنصت من القنص، والدِّيوف من الديفة وهي الغزال،ولقيت متيلو اي وجدت مايشبهه في الصيد،يا سلاااام المقطع الأخير دي عجيب،وبه إيثار……!
“”بتمنَّالو درجات البخت فوق جيلُو
aubaidmagadam@hotmail.com
اضف تعليقا