دُقُلاي دَرِب!
في دوارج سودان وادي النيل العربية يطلق على جذع الشجرة الباقي بعد ذهاب الفرع، لفظ “جضل”، بضمتين متتابعتين، ويقابله في فصيح اللغة لفظ “جذل”.
ورد في لسان العرب:
الجِذْل أَصل الشيء الباقي من شجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع والجمع أَجذال وجِذال وجُذُول وجُذُولة والجِذْل ما عَظُم من أُصول الشجر المُقَطَّع وقيل هو من العيدان ما كان على مثال شماريخ النخل والجمع كالجمع. الليث: الجِذْل أَصل كل شجرة حين يذهب رأْسها يقال صار الشيء إِلى جِذْلِه أَي أَصله ويقال لأَصل الشيء جِذْل وكذلك أَصل الشجر يقطع وربما جُعِل العُود جِذْلاً في عينك. الجوهري: الجِذْل واحد الأَجْذال وهي أُصول الحَطَب العظام وفي الحديث “يبصر أَحدكم القَذى في عين أَخيه ولا يبصر الجِذْل في عينه!”
وإبدال الضاد بالذال قاعدة مضطردة في الدوارج العربية في السودان، ومن ذلك قولهم : “ضراع” و”أضان”، يريدون: “ذراع” و”أذن”.
ويطلق على أصل الشجرة الباقي في الأرض بعد قطعها، لفظ “ضقل”، وقد يطلق على ما هو دون ذلك. قال أستاذنا عون الشريف، رحمه الله، في قاموسه: “ضقل: قطعة من جذع شجرة يابس على الأرض”، وقطعة من الخشب ذات عُكَن. قال الحمري:
نورّيكو يا عيال،
لا تجرجروا الضقّال..
أي العصي الغليظة”
والراجح أن الأصل في “ضقل” هي “دقل” الفصيحة، وتعني سارية السفينة التي يربط بها شراعها؛ جاء في لسان العرب: «الدَّقَلُ” خشبة طويلة تُشَدُّ في وسط السفينة يُمَدُّ عليها الشرّاع».
والأرجح عندي أن إبدال الضاد بالدال ههنا، طارئ، ناتج عن مجاورة القاف، التي تنحو في بعض خواصّها في دوارج السودان، إلى تفخيم ما يجاورها من الأصوات، ومثال ذلك ما يطرأ على اللام من تفخيم في قولهم “قلّ”، و” قلع”. وممّا يرجّح ذلك، اقتصار النطق بالضاد: “ضقل” على دوارج السودان النيلي دون سائر لهجات البقارة والأبّالة في السودان الغربي، الذين يغلب عندهم النطق بالدال: “دقل”.
وممّا ورد في ” البوشان” وهو غناء الفرسان على ظهور الخيل، في ديار البقارة:
يا ويل ضلافي الخيل..من “جدول” الليل،
ويا ويل جدول الليل، من ضلافي الخيل!
والجدول هنا مفردها جدل، و”الضلافي” هي الأظلاف، كما لا يخفى، والمعنى جليّ واضح.
ومن أقوال أهل السودان السائرة، قولهم: “جا يتفولح، جاب ضقلها يتلولح”، في التبكيت و”التنكيت” على من يتصدى لأمر لا قبل له به، فيخيب مسعاه، وهو مرادف في معناه لقولهم: “جا يكحّلها، عماها”
ومما يجري مجرى الأمثال في عامية دارفور، غربي السودان: “مسكين، دقلاي درب، كان ما اترتي فوقه ماتشيفيه!” أي أنه في مسكنته أشبه بالضقل على قارعة الطريق، لا تأبه له ولا تراه( تشيفيه) إلا إذا اصطدمت به! ومع ذلك، فإن بعض الدقل، مما يستحسن فيصغّر لفظه ويُسمّى به، في نحو “الدقيل”، وهو اسم علم ذائع، لا سيّما في دارفور.
ومما يطلق على الجضل، أو الضقل في شمال السودان، لفظ “تلكي” بتاء ولام مضمومتين بإمالة في كليهما إلى الفتحة، وكاف مشددة مكسورة، (tolokki)، وهي نوبية، وتعني خاصة، باقي جذع الشجرة الذي يتخذه الجزار آلة لفصل العظام وكسرها وتقطيع اللحم. ويطلق لفظ تُلكي، مجازاً على خامل الذكر ،فاتر الهمة، بطئ الحركة، الذي “لا يربط ولا يحلّ”.
وإلى قريب جدا من هذا ذهبت العرب في التشبيه مجازا بالوتد. ورد في (شرح نهج البلاغة)، لابن أبي الحديد: أنه “لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: أما والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم! يا لعبد مناف، فيم أبو بكر من أمركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ (يعني عليّاً والعبّاس)، ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش؟ ثم قال لعليّ: ابسط يدك أبايعْك، فوالله إن شئت لأملأنها على أبي فصيل! (يعني أبا بكر)، خيلاً ورجلاً، وامتنع عليه علي، عليه السلام، فلما يئس منه قام عنه وهو ينشد:
ولا يقيم على ضيم يراد به
إلا الأذلّان عير الحيّ والوتد
هذا على الخسف مربوط برمّته
وذا يُشجّ فلا يرثي له أحد
د. مصطفى أحمد علي،
الرباط، ديسمبر٢٠٢٠م.
إن مما يعيب بحوث اللغة العربية السودان أن الباحثين عندما توقفهم مفردة غامضة الدلالة .. أول ما يفكرون في مباحثهم القواميس العربية ـ لسان العرب وغيره ـ فيذهبون رأسا للتنقيب فيها!! لقد جزموا مبتدأً أن المفردة عربية وقطعوا بذلك فذهبوا يسقطون دلالة المفردة العربية على المفردة التي كان من المفترض البحث عن دلالتها في القواميس اللغات السودانية بالأخص النوبية أولا. وهذا خطأ كبيرا فكان وكان المفترض أن يضعوا 50% _ لى الأقل _ ان تكون المفردة نوبية معتبرين التقارب اللفظي بين كلمتين من لغتين مختلفتين بجانب قوانين البدل في الاصوات