قبيلة الفور السودانية ….عادات وتقاليد وتاريخ
“قبيلة الفور السودانية ….عادات وتقاليد وتاريخ” />
دارفور
|
أهل الفور من عبادة الظواهر الطبيعية إلي ارسال كسوة الكعبة الشريفة
رواق باسم الفور في الأزهر وتنتشر بينهم الخلاوى لتحفيظ القرآن وتدريس علوم الدين
يستقبلون المولودات الإناث بالزغاريد …والذكور برفع الآذان ويسمونهم بأسماء الأنبياء
” أفريقيا اليوم “أسماء الحسينى
Alshareefaasmaa224@hotmail.com
قبيلة الفور هى أقدم قبيلة سكنت إقليم دارفور ،وأضحى إسمها علما على المنطقة والإقليم ،وتعتبر منطقة جبل مرة والهضاب المجاورة لها مناطق تمركزها القديمة ،أما الآن فإن أبناءها يتواجدون فى كل أرجاء الإقليم ،بل فى كل أنحاء السودان ،ويتميز الفرد من الفور بالحجم والقامة المتوسطة ،ولونهم فى الغالب يميل إلى السمرة الفاتحة ،ولهم لغتهم الخاصة “الفور “،وهى لغة قديمة تمتاز بغزارة مفرداتها وقاموسها ،وتعتبر الفور قبيلة حضرية تتميز بالإستقرار ،بسبب حرفة الزراعة التى يمتهنونها ،والتى جعلتهم يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم لفترات طويلة .
وقبل دخول الإسلام إلى دارفور عبد الفور الظواهر الطبيعية ،واستقر بهم الحال إلى عبادة الرعد ،وبحلول الإسلام إلى ارض السودان ووصوله حتى دارفور أسلم معظم الفور فى مملكتهم التى عاصرت مملكة سنار بشمال السودان ،وتعاقب على عرش سلطنتهم مايزيد على الثلاثين سلطانا مسلما ،بداء بالسلطان سليمان صولنج ،وإنتهاء بالسلطان على دينار ،الذى استشهد بعد الإحتلال الإنجليزى لدارفور عام 1916 ،وبإنتهاء حكمه انتهت فترة حكم مملكة دارفور وضمت إلى السودان .
ويرى بحث أجراه المركز السودانى للثقافة والإعلام أن الإسلام كان العامل الاكثر تأثيرا على الدوام فى سلوكيات الفور ،ويلاحظ ذلك فى إستعانة سلاطين الفور بالعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامى ،فقد أقاموا الخلاوى لحفظ القرآن ودراسة علوم الدين والحديث النبوى ،وكان العلماء وحفظة القرآن يجدون كل تقدير واحترام ،ومن السلوكيات الحميدة للفور إشتهارهم بكرم الضيافة لكل زائر وعابر سبيل ،فتجدهم يخصصون أماكن للضيوف فى بيوتهم تسمى رقى ،وخلوة كبيرة فى القرية لعابرى السبيل ،ويجتمع كل رجال القرية فى المنزل ،الذى فيه الضيف أو الخلوة وكل يأتى بطعامه .
مصاهرات مع كل القبائل
وقد عرفت قبيلة الفور بإحتضانها لكل الأعراق والأجناس ،حيث تزوج أبناؤها من مختلف القبائل داخل الإقليم وخارجه وتوثقت صلاتها بهذه المصاهرات بكل المجموعات ،وعرف عن الفور أيضا حبهم الشديد للسلم ،حيث ينبذون السرقة والقتل ،ويكرهون كل مايتعارض مع حرية الفرد ،ويبغضون الإعتداء على الآخرين ،فالسارق لايجد مكانا بينهم ،والذى يقتل إنسانا ولو خطأ يصير غريبا فى مجتمعهم ،وربما يكون معزولا لفترة من الزمن ،يقضى حياته نادما ،ليس ذلك فحسب ،بل يكرهون حتى قتل أى من مخلوقات الله حتى الحشرات ،لذلك نجدهم مع بداية فصل الخريف وقبل الشروع فى الزراعة يقوم أهل القرية بإقامة مايعرف بالكرامة ،يذبحون فيها ويطعمون المساكين وعابرى لسبيل وطلاب العلم المهاجرين ،ويدلقون بعضها على الأرض لتأكلها الحشرات والطيور ،آملين ان يغفر الله لهم مقتلهم الحشرات الصغيرة أثناء فلاحة الأرض ،وقد جرت العادة والعرف عندهم بتحريم صيد الحامل والمرضع من الأنعام أو الإصطياد بآلة حادة وقطع الشجرة من جذورها أو سوقها ،وتحريم قطع الأشجار المعمرة والمثمرة .
وغالبا ماتكون مناطق سكن الفور أو قراهم فى الهضاب او سفوح الجبال ،بعيدا عن مجارى المياه والسهول الصالحة للزراعة ،والبرارى الخاصة بالرعى والثروة الغابية ،وتتكون القرية من 100إلى 150منزلا ،والمنزل عبارة عن حوش واسع من سيقان الدخن (نبات يشبه الذرة )أو عيدان الذرة بمساحة 200إلى 500متر مربع نتبنى داخله قطاطى جمع قطية ،وهى مبانى مخروطية الشكل ،أساسها من الحجارة فى المناطق الجبلية والطين أو من القش فى المناطق غير الجبلية ،وتسقف بالمرحابيب ،وهى سيقان رفيعة ولها شكل جذاب ،ويثبت كل ذلك بحبال من السعف على أعمدة توضع على هيئة هرم أو مخروط وتتراوح مساحة القطية من 10 إلى 16 متر مربع ،وغالبا ماتبنى أربع قطاطى داخل الحوش الواحد ،الأولى للأب والأم والثانية للأولاد ،والثالثة للبنات ،والرابعة تستغل كمطبخ ،وربما تضاف قطية خامسة للضيوف او راكوبة فى وجود شجرة كبيرة ،كما يوجد وسط كل قرية مهما صغرت مسجدا للعبادة ،عبارة عن راكوبة كبيرة ،ويستخدم دارا لإستقبال الضيوف .
الميلاد
وللفور كواحدة من أقدم القبائل فى أفريقيا ،التى يشهد لها التاريخ بأن حضارتهم ضاربة فى القدم ثقافتها التى تميزها عن غيرها من القبائل ،والأسرة مقدسة عند الفور،وهى تمثل البنية الأساسية فى بناء المجتمع ،وهى أول مؤسسة تربوية يقوم عليها المجتمع ،ففى إطار الأسرة ينشىء الطفل أولى علاقاته الإجتماعية ،يتعلم اللغة ،وفيها يتأسس جهاز القيم الأخلاقية عنده ،وأبناء قبيلة الفور يحبون الحياة وكثرة المال والعيال ،فميلاد طفل جديد يعنى الكثير بالنسبة للأسرة عندهم ولاسيما الأب والأم ،ولهذا يستقبل المولود بترحاب شديد من جميع أفراد الأسرة ،فإذا كان المولود أنثى يستقبل بالزغاريد ،أما إذا كان المولود ذكرا فبالإضافة إلى الزغاريد يقوم أحد الرجال برفع الآذان ،آذان الصلاة ،ويتبع هذا الحدث أى الميلاد بطقوس جميلة لها إحترامها ،فبعد أن تضع الأم وليدها يجد كلاهما أى الأم والطفل رعاية فوق العادة من الأسرة ،حيث تقوم إحدى قريباتها ،وعادة ماتكون من ذوات الخبرة بملازمتها ورعايتها طوال الأسبوع الأول ،حيث تقوم بخدمتها وغسلها بالماء الساخن ،حيث لايسمح لها بمغادرة فراشها لمزاولة أى عمل خلال الأسبوع الأول ،وفى اليوم السابع يحتفلون بمايسمى فى السودان يوم السماية ،وفى هذا اليوم يقدم الطفل المولود للمجتمع ويمنح إسمه ،وكان من عادة الفور منح الولود اسمين ،أحدهما يعرف باسم الكتاب ،ويمنح تيمنا باسماء الأنبياء والرسل المذكورين فى القرآن الكريم ،أما الإسم الثانى فيشتق من نبع ثقافة الفور وتقاليدهم الموروثة .
وفى صباح اليوم السابع تبدأ طقوس السبوع ،حيث تجهز حفرة صغيرة فى عتبة البوابة الرئيسية للبيت أو فى الساحة أمام المنزل ،حيث تقوم النساء خاصة المتقدمات فى السن والأطفال بمرافقة الأم من غرفتها مغطاة الرأس حتى لاتمسها الأرواح الشريرة ،وتتقدم إحدى النساء بحمل حربة تتبعها أخرى تحمل المولود ومعها الأم ،وتقوم التى تحمل الحربة بالطعن على الأرض التى سوف تمشى عليها ووليدها ،وتارة أخرى تشير بالحربة إلى الشمس تتبعها الأم على أثر الطعن حتى يصلوا إلى عتبة البوابة الرئيسية حيث الحفرة المعدة سابقا ،تنثر حولها قليل من الحبوب والماء والرماد ،ويوضع المولود علة جنبه من ناحية حول الحفرة ،ويقابل بطفل صغير من الحى إذا كان المولود أنثى ،ويقابل بطفلة إذا كان المولود ذكرا ،ويفصد المولود عند الرسغ لإخراج الدم الفاسد ،وتعلو الزغاريد ويرقص ويغنى النساء والأطفال إيذانا بتقديم المولود إلى المجتمع ،وبعدها مباشرة يحمل المولود ويسرع به إلى الداخل حيث تلحق به الأم ،وبهذا يبدأ الإحتفال ويشرع فى ذبح الكبش أو التيس وتجهز المأكولات والمشروبات للجميع ،وبعد الإحتفال يسمح للأم بالقليل من التحرك داخل المنزل وتقوم تدريجيا بممارسة واجباتها التقليدية البسيطة ،حيث مازالت هناك من تقوم بمساعدتها وخدمتها ،وتستمر الأم هكذا داخل المنزل فى إرضاع وليدها ورعايته حتى تكمل أربعين يوما ،وبعدها يسمح لها بالخروج من المنزل لمزاولة حياتها الطبيعية .
الختان
يعتبر الختان من أهم المناسبات الإجتماعية فى مجتمع الفور ،وجدير بالذكر أن الختان عند الفور يتم للذكور دون الإناث ،عدا المناطق الحضرية والمتأثرين بالثقافات الأخرى فى السودان ،والختان عند الفور له أهمية خاصة مثل الزواج ،وفى أغلب الأحيان يتم ختان أكثر من طفل فى مناسبة واحدة ،وفى اليوم المحدد يرتدى الولد أجمل ثيابه ،وعادة ماتكون جلابية وطاقية حاملا سيفه ويحمل على ظهر جمل جهز بصفة خاصة لهذه المناسبة بجميع أنواع الزينة والزخارف ،ويجولون به القرية يحيط به الشباب والكبار والصغار نساء و رجالا ،يزفون الولد فى موكب مهيب ،يأخذ قوته من رقصات الفرنقيبة الشيقة وأغنياتها الإنسانية الخفيفة ،وأحيانا ينقل الولد قبل يوم إلى منزل أحد أقاربه بعيدا عن منزلهم ،لكى يحضر فى زفة ،ومن هناك يتجولون فى القرية إلى أن ينتهى بهم الموكب إلى مكان الختان ،وعادة مايكون بمنزل أسرة الولد ،وحينها يبلغ الرقص والغناء قمته وتتخلله الزغاريد ودوى طلقات البنادق .
وقديما كان الختان عند الفور يتم عند طبيب محلى دون تخدير ،وعند إتمام العملية يتم الإعلان عنها بإطلاق طلقة وزغاريد ورقص ،كما يبدأ تجهيز وتقديم المأكولات والمشروبات للجميع ،ويلعب الشباب من الجنسين حتى الفجر ويستمر الفرح لمدة أقصاها أسبوع إلى أن يندمل الجرح ،ويلازم الطفل المختون أصدقاؤه وزملاؤه حتى يندمل الجرح ،وفى هذا الأسبوع تنهال على المختون الهدايا من الأقرباء والأهل والأصدقاء ،وعادة ماتكون الهدايا من المواشى والغنم .
الزواج
تبدأ عادات الزواج بتعرف الطرفين على بعضهما البعض ،وعادة مايتم التعارف فى أماكن التجمع أو المناسبات فى القرية أو أثناء الرعى أو الزراعة ،وبعد التعارف يقوم الشاب بالتعرف على أسرة البنت ويرسل أحد أقاربه ،وعادة مايكون العم أو الخال إلى أسرة البنت لأخذ موافقتهم ،وغالبا ما تطلب أسرة البنت فترة قصيرة للتشاور ،وأخذ موافقة البنت والرد على رسول الشاب ،وفى حالة الموافقة يتم تحديد يوم عقد القران ،أما الدخلة فيعتمد أساسا على مدى إستعداد العريس وتجهيزاته ،حيث يقوم بإعداد منزل الزوجية وعادة مايتكون من قطية للنوم ومطبخ وراكوبة أو قطية أخرى خاصة بالإستقبال والضيوف .
وتتم الدخلة عادة فى منزل أسرة العروس ،وقبيل ليلة الزفاف يقوم العريس بتجهيز مستلزمات العروس وملابس وأحذية وأدوات زينة وإرسالها للعروس ،ويتم أيضا تجهيز متطلبات المناسبة من المأكولات كالذبائح والكسرة والعصيدة وفى بعض الأحيان المشروبات الكحولية الشعبية كالمريسة .
وعادة ماتسبق الدخلة وليمة كبيرة يحضرها أهل العروسين وجميع المدعوين من القرى المجاورة ،وفى هذه الآونة يكون العريس بعيدا عن الأنظار يلازمه صديق له يعرف بالوزير ،ومن ناحية أخرى تكون العروس وقبل أسبوع تقريبا من الدخلة فى تجهيزات خاصة ونصائح من بنات الحى ومن صديقاتها ،وتلازمها مايعرف بالوزيرة أو الوصيفة .
وعقب الوليمة بعد غروب الشمس جرت العادة أن يزف العريس إلى منزل أسرة العروس ،ويبقى فيه الزوجان فى قطية خاصة لمدة شهر أو شهرين كفترة إنتقالية ،حتى ينتقلا إلى بيت الزوجية ،وتزف العريس فى زفة يشارك فيها الجميع نساء ورجالا يصدحون فيه بالأغانى ،وعندما يصل الموكب إلى منزل أسرة العروس يقوم اقران وأصدقاء العروس بإعتراض موكب العريس من الدخول ،حتى يدفع موكب العريس مبلغا رمزيا لتأكيد حسن النية ،وبعدها يؤذن للموكب بالدخول ،وتنضم غليهم العروس التى تكون فى صحبة وزيرتها وصديقاتها ،ويرقص الجميع ويغنون ،حتى إذا إنتصف الليل أو بعده يجلس العروسان سويا ،ويبدأ الجميع فى قراءة سورة “يس” جماعيا .
وفى صباح اليوم التالى عادة تكافأ العروس إذا كانت عذراء ،وذلك بإهدائها عقد خاص من الخرز الفاخر تلبسه العروس حول عنقها مدى حياتها شهادة ووسام للشرف والعفاف ،ومنذ ليلة الدخلة ولمدة تتراوح بين خمسة أيام أو أسبوع يعبر الشباب من الجنسين عن فرحتهم ومشاركتهم للمناسبة برقص لعبة الكسوك الشهيرة .
المأكولات الشعبية
يعتبر الفور من الشعوب الحضرية ،ووتراث الفور زاخر بأصناف المأكولات والمشروبات الشعبية الشهيرة ،وأهمها العصيدة التى تعتبر الغذاء الرئيسى فى عموم دارفور مثل بقية أنحاء السودان ،وهناك بعض أنواع الملاح التى تضاف إلى العصيدة وتصنع عادة إما من شرائح اللحم المجفف المسحوق أومن بعض النباتات .
خلاوى القرآن
الخلوة وجمعها خلاوى كانت تمثل المؤسسة التعليمية الوحيدة عند الفور وفى دارفور عامة ،ورغم تحول الناس إلى التعليم الحديث فى المدارس ظلت الخلاوى تحتفظ بمكانتها المرموقة عند الفور ،وينقسم التعليم فى الخلوة إلى مراحل أومراتب تتدرج منذ إلتحاق الطفل بها ،ويطلق على الطالب الذى أكمل حفظ القرآن قراءة وكتابة إسم الفقى .
ويعتمد الفور على الزراعة بشكل أساسى لتوفير إحتياجاتهم ،أما الرعى والتجارة فهما نشاطات ثانوية بالنسبة لهم ،ويقع العبء الاكبر فى إنتاج الحبوب للإستهلاك المنزلى على النساء ،بينما يسعى الرجال لإنتاج المحاصيل النقدية .
كسوة الكعبة
وللفور فى تاريخهم علاقات خارجية واسعة مع بعض الدول الإسلامية ،لاسيما مصر ،فقد خصص لهم رواقا خاصا فى الأزهر الشريف ،مازال قائما حتى اليوم ،كما كانت لهم علاقات خاصة كذلك مع المملكة العربية السعودية ،حيث كانوا يرسلون إليها المصاحف المكتوبة باليد ،والتى اشتهرت بها دارفور ،وكسوة للكعبة الشريفة ،وحراسا لمسجد الرسول بالمدينة المنورة .
وأثناء الحرب العالمية الأولى شارك سلطان دارفور بالجهاد ضد الحلفاء متضامنا مع تركيا التى كانت تمثل ىنذاك الخلافة الإسلامية ،وقد امتدت مملكة الفور فى أوج عظمتها غربا حتى مملكة وداى (تشاد حاليا) وبحر الغزال جنوبا ،وحتى النهود فى كردفان شرقا ،وحتى حدود أم درمان فى الشمال الشرقى ،وشمالا حتى شندى فى نهر النيل ،وكان درب الأربعين الذى يبدأ من الفاشر حتى أسيوط بمصر من أهم الطرق التى ربطت مملكة الفور بالعالم الخارجى .
ملامح من تاريخ دارفور
ظل تاريخ دارفور مهملا ولم يجد حظا من الكتابة وفقا لما ذهب إليه بحث المركز السودانى للثقافة والإعلام ،وحتى الجزء اليسير الذى كتب ركز فقط على فترة مابعد دخول الإسلام دارفور وغرب أفريقيا ، حيث ظلت ممالك الداجو والتنجر مجهولة حتى الآن لدى المؤرخين،والمؤرخ من تاريخ سلطنة الفور عمره الأن خمسمائة عام تقريبا ،وقد حرص سلاطين الفور على أن يكون غالبية وزرائهم من غير الفور ،وذلك إيمانا منهم بضرورة أن يشارك غالبية الناس ،الذين اتخذوا من دارفور موطنا لهم فى السلطة ،بل حرص سلاطين الفور على التزاوج مع العناصر الأخرى ،حتى يقربوها إلى السلطة أكثر ويرفعوا من شأنها ،وأوكلوا للوزراء إدارة الشئون السياسية والإدارية والحربية بالنيابة عن السلطان ،ولتسهيل إدارة السلطنة قسم سلاطين دارفور سلطنتهم إلى ثمانية حاكورات أو مديريات ،وكان على كل حاكم ان يتخذ القرارات الخاصة بمنطقته ،وكان شكل الحكم اقرب لما يطلق عليه اليوم الفيدرالية ،وقسمت كل مديرية إلى وحدات صغيرة تراوحت اعدادها مابين أربع وغثنى عشر وحدة ،وعلى رأس كل منها إدارى عرف بالشرتاى ،وقد كان تحت الشرتاى عدة ديملونقا ،وهو من يساعد الشرتاى فى الإدارة .
وكان القانون فى سلطنة دارفور يعرف بإسم قانون دالى ،وقد اشتمل هذا القانون على اسس الإدارة والعدل فى الدولة ،وهذا القانون تمت صياغته فى عهد السلطان دالى أحد سلاطين مملكة الفور ،ثم الحق به قانون الأحوال الشخصية المستقى من الإسلام ،وكان للشراتى محاكم يفصلون فيها فى قضاياهم ،وكان اعضاؤها من الحكام المحليين وكبار السن والفقهاء ،وكانت القرارات تتخذ بعد إجماع اغلبية المجلس على الحكم ،أما القضايا المعقدة فكانت ترفع إلى السلطان راسا ،وقد ارسى هذا النوع من الإدارة والقانون تنظيما دقيقا فى مجتمع دارفور ،مما أدى لإنعدام المشكلات كالسرقات والقتل وغيرها ،وعند تغيير هذا القانون فى دارفور فى أواخر السبعينات من قبل الدولة وإحلال قانون الحكم المحلى محله ،أدى ذلك على ظهور ظاهرة النهب المسلح والحروب القبلية ،وبدأ شكل الدولة يختفى فى دارفور ليحل محله الفوضى ،خاصة فى القرى ،وكان للسلطنة أيضا نظامها الضريبى ،وعملتها التى تسمى “ردينا “،وكانت متداولة فى دارفور والدول المجاورة التى تتعامل تجاريا مع دارفور مثل مصر وتونس ووداى ومالى والسنغال ،إضافة إلى تركيا والسعودية،وكان للسلطنة علمها الخاص من اللون الأسود رمزا للقوة وبه صورة غزالة ،وكان للسلطنة أيضا جيشها الضخم المقسم على ألوية .
ونظرا للشك فى علاقات السلطان على دينار آخر سلاطين الفور بدول المحور أثناء الحرب العالمية الأولى غزت قوات الإحتلال البريطانى دارفور عام 1916وقتلت السلطان على دينار وضمت دارفور لبقية السودان ،وأهملت دارفور خلال هذه الفترة إهمالا كبيرا ولم تؤسس البنية التحتية لها مما اعاق عملية التنمية ،وأصبح الإقليم منذ ذلك الحين مصدرا للأيدى العاملة للمشاريع التى أقيمت فى وسط السودان ،وبعد رحيل الإستعمار استمرت نفس الأوضاع بدارفور ،بل ودخل الإقليم فى سلسلة من الكوارث أخطرها الجفاف والمجاعات والنهب المسلح والحروب القبلية وإنعكاسات الحرب فى تشاد المجاورة ،وهى العوامل التى تفاقمت بمرور الوقت وساهمت مع غيرها فى تشكيل الأزمة الحالية بدارفور ،والتى كان لها إنعكاساتها على الوضع فى السودان كله
اضف تعليقا