شغبه أميرة شعراء البطانة:
شغبة المرغمابية الكاهلية، واسمها (آمنة)، واشتهرت بلقب (شَغـَبَة) بشين مفتوحة وغين مفتوحة وباء مفتوحة، ويقال أن الشاعر المرغمابي الشهير، أمير شعراء البطانة؛ عبد الله أحمد شوران من أحفادها…. تعتبر من الرواد الأوائل لشعر الدوبيت في السودان هي و(حسان الحَرَك) الشاعر الشكري، فهما قد عاشا في عهد السلطنة الزرقاء أو سلطنة الفونج خلال القرن السادس عشر الميلادي… وكانت شغبة امرأة فارسة وشاعرة اشتهرت بشعر الحماسة والفخر… وكانت تشارك في حروب قومها، لاسيما تلك المعارك الضارية التي دارت بينهم وبين البطاحين، وكانت تقاتل إلى جانب فرسان قومها، وتزكي حماستهم بشعرها الذي كان له مفعول السحر في نفوس رجال قبيلتها، فكانت تستنهض به هممهم، وتفجر به طاقاتهم، وتوقد به في أنفسهم مشاعل الشجاعة والإقدام… شغبة ليست مجرد شاعرة فذه لكنها إنسانه تملك شخصية ذات الق أسطوري في مجتمع ذكوري تسيطر عليه اخلاق الفروسية والنخوة والشجاعة في مجتمع بدوى تقليدي يشق علي الفرسان ان يبلغو فية ذلك التاثير فعرفت الحب البدوي الجامح وعرفت شكيمة الفرسان فكانت اكثر جلد من اقوي الفرسان وكانت تملك كريزما القيادة وأيضا ملكت اقصي درجات البيان فكانت الشاعرة ذات المفردات القوية التي تأثر القلوب فبلغت حد السيادة في قومها وتركت اريج الانواثة والعاطفة في ارض البطانه فكانت القوة والفروسية والعشق والحنان والشوق وحتي لحظات الفراق والالم النفي الذي كان اشد ايلام عليها من كل الالم في حياتها نفيها بعيدا عن ديارها فظلت تنشد ديارها بشعر حزين مؤثر هذه شغبة الإنسانة القوية التي عرفت كل أنواع الالم وقارعتة بالمفردات ””
وكانت شغبة قائدة مهابة تقسو على فرسانها لتجعلهم على أهبة الاستعداد لأية ملمة طارئة ولأية معركة محتملة. ولم يسلم من قسوتها حتى ابنها حسين الذي انشغل بدراسة القرآن الكريم والاهتمام بألواحه القرآنية، وجمع المال عن المعارك التي تدور رحاها بين القبيلة وأعدائها، فانتاشته شغبة بقذائف شعرية ليبدل سلوكه وينخرط بين المقاتلين، ويترك كل شيء عدا ذلك، كما يتضح لنا في قولها:
يا حسين ماني امك وإت ماك ولدي
بطنك كرشت غي البنات ناسي
دقنك حمست جلدك خرش مافي
لاك مضروب بحد السيف نكمد في
ولا مضروب بلسان الطير نفصد في
متين ياحسين اشوف لوحك معلق
لا حسين كتل لا حسين مفلق
لا حسين ركب للفي شايتو غلق
قاعد للذكاة ولقيط المحلق
كان هذا الشعر كافياً لأن يرد حسين لمنظومة المقاتلين، والاستجابة لنداء أمه القوي، وقد عبر حسين عن هذا التغيير الذي حدث له شعراً عندما قال:
مَحَينَاكْ يـا لَـوحْ وكَسَرْنَاكْ يَـا دَوَايَـه
لِهيـَجْ الحُـمْ أَحسَـنْ مِـنْ القِـرَايَـه
وقَـلَبتَ الشَّــدْ عَـليْ اللَّفَضْ التَّنَايَـه
ومقَـالَبـةْ البُـكَـار كَبْـدَ السحَـايَـه
ومن ملامح القوة التي تميزت بها شغبة، تحديها العجيب للسلطنة الزرقاء التي كانت قائمة آنذاك بكل جبروتها، ويتضح لنا ذلك من خلال واقعة مثيرة، وذلك عندما طالب المك عجيب المانجلك أحد مكوك السلطنة الزرقاء على أثر خلاف حاد مع حسين ابن شغبة، أن تقوم قبيلة المرغماب بتسليم حسين له، وأن تدفع قبيلته الإتاوة مع تقديم فروض الولاء والطاعة. وكان آنذاك أن تحالفت شغبة مع قبيلة الكمالاب، وهم أبناء عمومة المرغماب، وكان حلفاً قوياً مهاباً بعث مزيداً من الثقة في نفس شغبة، فقامت بالرد على المك عجيب المانجلك عبر رسوله، رافضة مطالبه ساخرةً منها وهي تقول للرسول:
قُـولْ للمَـكْ عَجيبْ ما عِندَنا لَيك الآتْ
بَرا دَقْ ود بَقيـعْ والدُّكَّـرِي الكَـفَّاتْ
أَكِلنَـا العَـكَـه ونَفْطُـرْ عَليْ نَبَقَـاتْ
دَقَّـــتْ نُـقَــارَةْ البَـرَكَــاتْ
عَرضوا أَولاد كَمال جَوهَا الدُّبس قُتَّاتْ
شغبه هي اشـــعر نســـــاء البطانة قاطبة، بل وتنافس رجالها في لقب اشــــعر شـــــعرا البطانة، وهي من قبيلة الكواهلة تزوجها “ود قلش” وهو أيضا من الكواهلة فرع المرغماب، هي امرأة ذات شــــــخصية قوية وهي شــــاعرة متفردة ومن الطراز الأول، يمتاز شعرها بقوة الكلمة وخشونة العبارة، لشغه أخت تدعى “علابة” تزوجها بطحاني فأنجبت منه الشـــــيخ برير أحد فرسان البطاحين، وســـــنتعرض للشيخ برير هذا كثيرا لان له اثر كبير في حياة شغبة حركت شغبه بأشـــــعارها أبناء قبيلة زوجها للدخول في حروب عديده، مع البطاحين ومع دولة الســـــلطنة الزرقاء وكان ذلك في زمن “عجيب المانجلك” يطلق على شغبه اسم “شغبه المرغمابية” نسبة إلى المرغماب أحد فروع الكواهلة وهذا خطا كبير لان شغبه لا تنتمي إلى المرغماب ومن ينتمي إليهم هو زوجها “ود قلش”، لكن شغبه ولحبها الشــــــديد لزوجها “ود قلش” أحبت فرع المرغماب اكثر من الفرع الذي تنتمي إليه، وتنتمي شغبه إلى فرع تنمي شغبة إلى قبيلة الكواهلة فرع الشدايدة، وينتمى زوجها “ود قلش” إلى فرع المرغماب كما اسلفنا، وكان ارتباطها الوطيد بزوجها ” ودقلش ” هو الذي جعلها ترتبط ارتباطا رائعا جسداً وروحاً بقبيلة المرغماب، وتقصر إلى حد بعيد مدحها عليهم وفخرها بهم وحدهم
اكانت شغبة مثيرة للحروب بين القبائل، فبيت من شعرها يستطيع ان يحرك حرب ضروس، ولعل اقسى المعارك التي مرت بها، تلك المعركة التي دارت بين البطاحين والمرغماب، وذلك لسببين: الأول : فقدت في تلك المعركة زوجها ” ودقلش ” وابن لها يدعى ” نائل”لثاني : ان من قاد البطاحين في تلك المعركة هو ابن اختها ” علابة ” فارس البطاحين المغوار الشرس ” الشيخ برير في تلك المعركة تفوق البطاحين على المرغماب وهزموهم شر هزيمة، وقتل زوجها ود قلش امام ناظريها، فقالت من فرط الالم وهي تشاهد زوجها يسقط من الجواد فقالت:
كُرْ يَا نوح من دا الخْرَابْ
َ عجَب عيني تاكُل فيهُ الكلابْ
وَدْ قلش مَيَّحْ من الرِّكَابْ
دا من قُولَة جَفَلوُا المُرغمابْ
مفردات :كر : لفظ تقوله النساء للاستنكار عجب عيني : غرة عينى وتقصد به ابنها ميح : فقد توازنه من على متن الفرس لركاب : وهو ركاب الفرس والمقصود السرج أو ظهر الفرس المعني :تقول شغبة ان ابنها وغرة عينها قد سقط جثة هامدة تنهشه الكلاب الضالة، اما زوجها “ود قلش” فقد فقد توازنه وانكفاء على ظهر فرسه الذي فر به هارباً، لكن رغما عن ذلك ظلت ثابته وقوية وقالت ان يموت زوجها وابنها بهذه الطريقة خيرا من يقال عنهم انهم فروا من المعركة
كان لوقائع هذه المعركة آثار لا تمحى في نفس شغبة، خاصة أنهافقدت أميز فرسانها كالفارس (ود نواي)، وابنها وزوجها، فأسلمها ذلك إلى أسى عميق، بيد أن وجهها كان وضّاحاً وثغرها كان باسماً عندما تمر بها الأبطال كلمى حزينة، وسرعان ما تحمل همها وحزنها وأساها بين جنبيها وتمتطي صهوة جوادها فتسرجه صوب موردالمياه المسمى (عديد نوير) لتشكو إليه فقدان الفوارس وبقاء الجبناء، وتقول له إن ود دقلش الذي فقدنا كان كريماً معطاءً، إن فقد ود نواي كان مفجعاً وأليما، فكيف يكون حالك بعد يا أيها المورد، وقد مات حراسك، وفقدت حماتك، وكيف يكون حالي أنا من بعدهم وهذه النوق الحلوب تبتغي إليك للسقيا. وذلك من خلال دوبيت خماسي تقول فيه:-
يقتنلي خرابك يا عديد نوير
راحو النايرين وفضلوا البماسحو الكيل
ود دقلش يكْفي ليهوايد الليل
ود نوّاي كتل فارس التقيلة أم حيل
شغبة وين تقبّل بي كبيرةالضيل
غير أن شغبة لا تستلم لأحزانها وآلامها أبداً، فقلبها المجروح وكرامتهاالمسلوبة خلفا فيها روحاً تتوق للثأر والانتقام،
فأخذت تجعل من أشعارها نيراناً تلهب بها مشاعر رجال القبيلة، إلى أن برز من بينهم فارس جعل العزة عنواناً له. إنه الفارس (حمد المليحابي) الذي كان قلبه ممتليئاً بألم عظيم، وأحاسيسه تثقلها مراراتكثيفة، كلما تذكر تلك الهزيمة المفجعة، لذا كان فوري الاستجابة وشغبة ترسله إلى وادٍ يسمى وادي (الباك) حيث مضارب قبيلة (الأمرار) ليستنفرها باعتبارها قبيلة صديقة للمرغماب، وتربطها بهم علائق الرحم والمودة، ليعود منهم بالفرسان الأشداء الأقوياء لحرب البطاحين ورد الكرامة. شدّ حمد الميلحابي رحله صوب ذاك الوادي، وبقي هناك نحواً من العامين، عاكفاً على المهمة التي كلِّف بها إلى أن اكتمل بين يديه من شبان الأمرار سبعة آلاف فارس، تخيرهم من بين الأقوياء الذين يتعاطون التمباك كان الزعمأن من يتعاطى التمباك يكون أشد ضراوة في القتال ممن لا يتعاطاه- ثم حشد حمد هذاالجيش العرمرم وانضم به إلى فرسان قبيلة المرغماب استعداداً لحرب البطاحين التي استعدت بدورها للمواجهة بفرسان من فروع عديدة كالعركشاب والعساف والعبادلة والعلاماب. وعندما هم جيش المرغماب المسنود بفرسان الأمرار بالتحرك نحو ميدان القتال تحت قيادة حمد المليحابي نادته شغبة وأسرّته في أذنه بعبارات آمرة تقول:لاتقتل الشيخ برير أريدك أن تأتيني به حيّاً فهو حريٌّ بأن يكون بطلاً لاحتفائي به، سأنظم له احتفاء لن يسره أبداً، سأعد له فيه نوعاً من الانتقام سيخلده التاريخ ويقذف في قلوب أعدائنا خوفاً وفزعاً ووجلاً..سر وعين الله ترعاك يا فارس الفرسان، أقول لك لا تقتلته عد لي به أسيراً ذليلاً أفهمت؟
ومن بعد تحرك الجيش بقلوب مننار، وصدور يملؤها الغل، وبسواعد لا تعرف غير البتر والقطع والطعن.
وعلى الصعيدالآخر كانت البطاحين ومن تحالف معها يأملون في دحر هذا الجيش، كيف لا وهم أبطال وشجعان أيضاً، بيد أن الهزيمة كانت من نصيبهم، فقد استطاع حمدالمليحابي بدوافعه القوية وقوة جيشه أن يلحق بالبطاحين هزيمة نكراء، وعاد منهم بكل ما استطاع أن يحملهمن أموال وغنائم ترافقت مع ما قاده من إبلهم وماشيتهم، ثم تصيد الشيخ برير وأسره بناءً على أمر ورغبة شغبة تي ما أن رأت جيشها تحفه بشارات النصر ويحمل رايات العزة والكرامة وفي معيته الشيخ برير يرزح تحت وطأة قيوده وأغلاله تهللت أساريرهاوأخذت تقول:
حمد المليحابي سدر للباكْ
وسنتين بدولب في البشربواالتمباكْ
كتل الشيخ برير وحرق حشا الدعاكْ
وجاب في الصفية رقهن بتراكْ
لم تنتظر شغبة طويلاً حتى تنفذ انتقامها ضد ابن اختها الشيخ برير، وبحق كان انتقامها من قاتل ابنها وزوجها انتقاماً قاسياً ورهيباً وفريداً،
إذ قامت بإيثاقه من خلاف مثبتاً وجاسياً، ثم أمرت بإحضار (النقارة) لتتوسط الساحة بجانب أسيرها الذي تقدمت نحوه وتفرست في وجهه ملياً ثم أخذت تدور وتلف من حوله ومن خلفه وهي تحمل في يدها مدية حادة وكبيرة تنعكس أشعة الشمس منها على وجه الأسير ا لذي بدا صامتاً وصامداً وهو يعلم أن موته سيجئ على يد شغبة، ولكن كيف سيتم ذلك فهو لا يدري، غير أن شغبة تدري جيداً ماذا ستفعل فلطالما حلمت بهذا اليوم لتنفذ فكرة انتقامية سوداء ناوشت خيالها طويلاً حتى عشعشت في ذهنها واستقرت. والآن كل من في الساحة ينتظر ويترقّب خطوة شغبة التالية وتصرفها القادم، ولا أحد يستطيع التكهن. وفي ثبات عجيب وبقلب متحجر
قامت شغبة ببتر يدي أسيرها من منتصف الساعدين في بشاعة ووحشية وجعلتهما أداتين تضرب بهما على النقارة ضرباً عنيفاً والدماء تتطاير وتسيل وشغبة تغني في حقد ومرارة مخاطبة أسيرها مذكرة أياه بما فعله بقومها من قتل وسلب وتقول له إن الأيام دول وهاأنت تعاني اليوم من أهوالها وتنكرها
فقد جاءت بك إليَّ أسيراً وضحية وتقول:-
جيديا برير الضقت النكور والهولْ
وكسر الهمبروك عيش السديرة الخورْ
ضوقة الحدمالعقدن قفيهن شولْ
كتلة البرمكي مع صباح البولْ
استمرت شغبة في نشيدها والنقارة تصدر صوتاً مرتفعاً وحزيناً، وهي تنقر عليها بيدي الشيخ برير المجزوزتين والملطختين بالدماء، ولا تنسي تذكِّره بما سلب وبمن قتل في ذلك الصباح الكئيب، فأسلمها إلى الألم وأحالها إلى كتلة من الأحزان، وهي تتنفس نيراناً كتنين أسطوري هائج، ومن فمها تخرج كلماتها كطلقات نارية، والكل من حولها يردد كل كلمة تقولها كالهدير تقول:-
جيد يا برير ضقت النكور إتحي
وكسر الهمبروك عيش السديرة النيْ
سوقة الحدم العقد قفيهن ليْ
كتلةالبرمكي مع صباح الضيْ
ثم أخذت شغبة تواصل بمديتها الحادة تقطيع أوصال أسيرها وتلقي بلحم جسده إلى الكلاب وهي تصيح وتهتف فيجاوبها الناس صراخاً وزمجرة. بموتالشيخ برير أسدل ستار على فصل من مسرحية الصراع بين المرغماب والبطاحين. وانتهت هذه المعركة التي عرفت في تاريخ البطانة بمعركة (الدباغات) والدباغات حفر مائية تقع شرق بلدة أبودليق. غير أن المثير أن شغبة لم تخف إعجابها بثبات صمود ضحيتها وابن أختها علابة الشيخ برير الذي واجه انتقامها بشجاعة متناهية وصمود كبير. فمدحته قائلة:-
ود العز برير ضرب النحاس ما بخاف
وعندو الدكري البياخد تلاتةأحفاف
حالف بي الطلاق ما يفوّت بنات عسّاف
إلا الراس يفارق الجتة واللكتاف
ما لم تخف إعجابها بشجاعة أعدائها من البطاحين العركشاب وما أبدوه من شراسة في القتال وقوة في التصدي فكانوا محل مدحها عندما قالت:-
دُب العركشاب وكتاً يلوكوا المرْ
تدبت للكتال متل الكباش الغرْ
يدعكوا على الصف الدميهوتخرْ
ويصفى لونن متل دهب الجُمار الحرْ
ير أنه لم يحدث صدام ما بين شغبة والسلطنة الزرقاء، إذ قام ابنها (حسين) بتسليم نفسه بقرار فردي إلى المك (عجيب المانجلك) حقناً للدماء، وقام بذلك بشجاعة متناهية، إذ كان يعلم أن مصيره الموت، وهذه الشجاعة أثارت إعجاب المك عجيب، واعتبر أن موقف حسين موقف نبيل، فقرر أن يعفو عنه، وبذلك انقشعت الأزمة، إلا أن وقائع العداء اتصلت فيما بعد بين شغبة وأحد ملوك السلطنة الزرقاء الذي رأى أن شغبة تثير الكثير من الحروب مع القبائل، فآثر أن يعتقلها. وبالفعل تم اقتيادها مخفورة، حيث تم وضعها حبيسة قيد الإقامة الجبرية بسنار عاصمة السلطنة الزرقاء. ولما فشل المك في استمالتها قام بنفيها إلى بلدة دنقلا، حيث قضت فيها على الأرجح ما تبقى من حياتها. ولشغبة أشعار عديده أنشأتها عندما كانت في سنار وعندما كانت منفية في دنقلا. ويجدر بنا الآن أن نوضح أمراً مهماً يتعلق بالدوبيت القديم واشعار شغبة تعد مثالاً له، وهو ما يبدو في بعض شطرات تلك الأشعار من اختلالات وزنية، وهي ظاهرة يمكن أن نردها إلى آثار الرواية، غير أن الأرجح لدينا أن توقيع الإنشاد كان يغطي هذا الاضطراب الوزني الذي كان موجوداً في الدوبيت القديم، وإن بدأ بالخفوت عندما ظهر الشاعر الحاردلو وهو يحتقب الوزن المتقن والصرامة الشكلية مع اشعاره، غير أن الآثار القديمة ما زالت تلقي ببعض ظلالها على أشعار اللاحقين من أهل الدوبيت، وإن بدأت الظاهرة بشكل عام تضمحل لتزوي إلى اندثار. ونعود الآن إلى شغبة التي تركناها في منفاها ببلدة دنقلا، حيث رجحنا أنها قضت بقية حياتها في هذا المنفى، رغم أن بعض الرواة يقولون إنها عادت إلى موطنها ديار المرغماب، إلا أنه قول يعوزه الدليل ويفتقر إلى البينة، على غير زعمنا الذي تتكاثف عليه البينات الظرفية لترجحه دون سواه. وأول ما يبدو لنا من ذلك ما تواتر من أشعارها، وفيها أكدت وجودها بأرض الدناقلة ومفارقتها لديار الأهل والأحبة، وذابت شوقاً وتحناناً لأرضها المعطاءة ونسماتها المنعشة، تقول:
اللَيله هَـبُوبْ أَهـلي مَـلَتْ نَفَـسِي
ومِـنْ رَطنَي الضَّنَاقْلَه واكَتيرْ هَوَسِي
فَارَقْـتَ الحُـوارْ الفي الشَّبَكْ رَفَسِي
فَارَقْتَ الخَلْفَه المِسَارِي والجَمل رَادِي
وتقول والحنين يغالبها للأهل والعشيرة:
حِليلْ البِرْكَـبُو التَّيسْ أب صَريمَـه
وحِليلْ البِنزِلوا حَـدَبْ أُمْ قِضَيضِيمَه
وحِليلْ الجَـاهِلُنْ مـا بِـدور تَعلِيمَه
حِليلْ البِقطَعـوا الشَّكْ فـي العَزيمَه
وأَهلي المُرغُمَابْ بَدَوبي لَيهُنْ دِيمَـه
المصدر: ديوان الأغنية الشعبية
https://www.facebook.com/Library.of.popular.songs/posts/527530430679291/
اضف تعليقا