اللغة النوبية والحضارات القديمة _ الباحث الخير محمد حسين ابنعوف
١٦ سبتمبر ٢٠١٧
اللغة النوبية والنبي موسى عليه السلام :
موسى : يعني بالنوبية المرفوض وغير المرغوب فيه ، وينطق بالنوبية ( موسّا – Mossa )أي موسَان ،والمفردتان كلتاهما متداولتان في المنطقة بنفس المعنى. ويؤكد ذلك ما جاء في التوراة عن سبب التسمية .سفر الخروج-إصحاح 2 آية 5 ( فنزلت ابنة فرعون إلى النهر فرأت السفط بين الحلفا (6) لما فتحته رأت الولد وإذ هو يبكي ( 7) ودعت إسمه موسى وقالت إني انتشلته من الماء). واضح هنا سبب التسمية، إذ أنها اعتبرته غير مرغوب فيه من قبل أهله ولذلك ألقوه في الماء.
النوبيون يستخدمون البقر قي الساقية
قال تعالى في سورة البقرة الآية(71) قال انه يقول انها بقرة لاذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها.. الى آخر الآية.
نجد هنا شرطين للبقرة المطلوبة:-
الأول : ان لا تثير الارض، اي لا تستخدم في الحرث.
الثاني: أن لا تسقي الحرث، أي لاتستخدم في الساقية.
قد نجد في المنطقة العربية من يستخدمون البقر في عملية حرث الارض، ولكننا لا نجد من يستخدم البقر في السقي الا في المنطقة النوبية
( السودان) فالنوبيون وحدهم هم الذين يستخدمون البقر في الساقية0 وكلنا يعلم ان وسائل الري الأخرى كالشادوف المصري والناعورة الشامية لا تحتاج إلى بقر للتشقيل. وهذا يضاف الى الادلة التي تثبت ان موطن موسى عليه السلام السودان.
في سفر الخروج –إصحاح-26-آية(15) يخاطب الله موسى: وتضع ألواح للمسكن من خشب السنط قائمة (16)طول اللوح عشر أزرع وعرض اللوح الواحد زراع ونصف . (18) وتضع الألواح للمسكن عشرين لوحاَ إلى جهة الجنوب نحو التيمن. لاحظ (نحو التيمن ) إذ أن جهة الشمال جهة التشاؤم ، لأانهم عذبوا في الشمال واستعبدوا فيه بأيدي المصريين. وهنالك عادة فتح أبواب البيوت نحو الجنوب سائدة إلى اليوم في المنطقة النوبية ، كما أن أسطورة أن الشمال نذير شؤم أيضاَ سائدة. ولا أحد يفتح بابه نحو الشمال بالإضافة إلى أن الصلاة لا تقبل إذا صليت وأنت متجه نحو الشمال ويقولون للشخص الذي يتلاعب في صلاته (أرون كنى قر سيقيدل (Eron kanneigir siggiddel) أي إن شاء الله صلاتك نحو الشمال .
كذلك عندما رفض فرعون أن يرسل بني اسرائيل مع موسى الى موطنه (السودان) أمره الله سبحانه وتعالى أن يطلب من بني اسرائيل فتح أبواب بيوتهم في اتجاه الوجه القبلي (الجنوب) قال تعالى في سورة يونس –آية 87 ( واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ) فمنذ ذلك الحين صار فتح أبواب البيوت نحو الجنوب ( قبلي) عادة لدى النوبيين الى يومنا هذا .
ملاحظة أخرى عن يوم الأحد : حكى ابن جرير في اول أيام الدنيا ثلاثة أقوال ، فروى عن محمد بن اسحاق أنه قال : يقول أهل التوراة : ابتدأ الله الخلق يوم الاحد ، ويقول أهل الانجيل : ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين ، ونقول نحن المسلمون فيما انتهى الينا عن رسول الله ( ص ) ابتدأ الله الخلق يوم السبت ، ويقول : وكمل الخلق يوم في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الاسبوع .هذا يقودني إلى عادة نوبية قديمة، النوبيون يفضلون تأسيس بيوتهم ( بناء الساس) يوم الأحد اعتقاداً منهم أن الله بدأ خلق الدنيا يوم الأحد، ويقولون بالنوبية ( Kirag`e dinyat sumbut teddo tubbison ) أي الأحد الذي بدأ فيه وضع الأساس للدنيا.
كما أن ألواح السنط بهذا الحجم المذكور توجد بكثرة في السودان- سفر الخروج-إصحاح 17-آية(1) :وتصنع المذبح من خشب السنط طوله خمس ذراع وعرضه خمس ذراع .
والقرآن الكريم حينما يتناول هذا المشهد في سورة القصص –آية(7) وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين).في تفسير الجلا لين يقول المفسر : إن أم موسى ألقت التابوت في بحر النيل ليلاَ.(انتهى المصدر) . أفهم من قوله تعالى ( إنا رادوه إليك ) : أن رد موسى عليه السلام لم يكن لغرض الرضاعة فقط ، إنما الرد هنا رد مكاني ليمارس نشاطه الرسالي ، وهو يدعم الإتجاه مرة أخرى إلى حيث أتى : إلى الجنوب إلى عكس جريان النيل الذي حمل التابوت إلى قصر فرعون ، والله أعلم.
يقال أن سحرة فرعون أتوا من ناوى ، وتقع ناوى شمال مدينة امنتقو الأثرية( دنقلا العجوز) اشتهرت بالسحرة والقصص الروحانية على مر السنين .واسم (ناوى) أصلها من فعل :نيوى-Neiwe بمعنى يتنفس/يتحرك ،الاسم منه: نورتي Newertiتعني بالنوبية : الروح ، وبمرور الزمن تقلص الاسم إلى ناوى.أما ( امنتقو فتعني: وادي آمون بالدنقلاوية.
موطن بني اسرائيل قبل نزولهم إلى مصر
جهتان اساسيتان في هجرة بني اسرائيل:
هنا لك جهتان اساسيتان في هجرة بني اسرائيل ، والجهتان هما:-
1/ الجهة التي اتجهوا اليها عندما نزلوا الى مصر .
2/ الجهةالتي اتجهوا اليها عندما خرجوا من مصر ( رحلة العودة) .
واذا ما استطعنا الوقوف على حقيقة الجهتين المذكورتين توصلنا بسهولة الى الاماكن التي شملتها الرحلة في مراحلها الاولى يقول تعالى في سورة البقرة –الآية-61-( قال اتستبد لون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصراَ فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) .الهبوط هنا يعني السير في اتجاه الشمال _ أي في اتجاه جريان النيل ، كما أن الصعود يعني الاتجاه نحو اعالي النيل. مما سبق أقول ان بني اسرائيل حين هبطو الى مصر كانو ا في منطقة اعلى من مصر –أي في السودان – اذ أن لفظ النزول يستخدم كثيراَ في وادي النيل للدلالة على السير او السفر إلى اتجاه جريان النيل-أي نحو الشمال – ، كأن تقول مثلاَ نازل من كريمة الى دنقلا ، ونازل من حلفا الى اسوان . فالنزل إذاََ هو الحركة نحو الشمال سواء كان ذلك براَ أو بحراَ (بالنهر) .
أما الصعود في رحلة بني اسرائيل كما ورد في التوراة على لسان موسى عليه السلام:-
في سفر عدد- اصحاح-33-فارتحل بنو اسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت (بلدة اثرية في المحس السودانية) ثم ارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية وساروا مسيرة تلاثة ايام في برية ايثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارو وأتوا إلى إيليم ( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل – شرق الزيداب ) .
– سفر الخروج –اصحاح 3 –الآية -8-( فنزلت لانقذهم من ايدي المصريين واصعدهم من تلك الارض الى ارض جيدة واسعة . الى ارض تفيض عسلاَ ولبناَ ). وفي نفس السفر والاصحاح –آية 17 (فقلت اصعدكم من مذلة المصرين الى ارض الكنعانيين والحويين . الى ارض تفيض عسلا ولبنا) .
قبل الدخول في شرح الصعود دعونا نعرف ما المقصود بالكنعانيين والحويين. كنعان و كوش هما ابناء حام بن نوح عليه السلام . ومعلوم ان مملكة كوش النوبية تنسب الى كوش بن حام بن نوح عليه السلام . اما الكنعانيون فهم سكان الجزء الشمالي من النوبة ، إذ ان لفظ (كنى-kannei ) يعني الشمال بالنوبية. ولا وجود لحرف العين في النوبية،وفيما بعد استخدمته العرب للدلالة على سكان شمال شبه الجزيرة العربية.أما الحويون : فهم سكان الخوي ، وهي المنطقة الصحراوية الوقعة شرق بلاد النوبة وغربها الى كردفان ودارفور غرباً ، وإلى صحراء العتمور شرقاً (العتمور: أصلها : أتمور وتعني:أبريق مصنوع من الفخار تستخدمه النساء).
أماالاسم النوبي للخوي فهو (حوي) كما جاء في التوراة. فالصعود هنا يعني السير نحو اتجاه الصعيد أي الجنوب .
العبور كان نهرياً
الإسم القديم لعبري:
الإسم القديم هو ( أبرتي- abirti بالنوبية الدنقلاوية ،والفعل المضارع منه (آبري -abiri)
وهو إسم يطلق على أطراف القماش بعد ثنيها وخياطتها لتكون أكثر متانة ، وإسم أبرتي تشبيه للبحر حين انفلق لموسى عليه السلام بالقماش بعد شقه و ثني طرفيه وخياطتها .علماً بأن إسم البحر يطلق على النهر أيضاً في اللغة العربية.ولعل ما جاء في التوراة يؤيد ذلك :سفر الخروج-إصحاح 17 آيات 4،5 (فصرخ موسى إلى الرب قائلاً ما ذا أفعل بهذا الشعب، بعد قليل يرجمونني ( 5) فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها بيدك واذهب) .
ورد في كتاب قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار صفحة (70) عن معنى العبرية (يقول الدكتور إسرائيل ولفستون أن لفظ عبري يعني العبور بالعبرية وهو نفس المعنى بالعربية).وعبرى هي المنطقة التي عبر منها سيدنا موسى إلى الشرق، فأتبعه فرعن وجماعته.قال تعالى في سورة الشعراء الآية -90- (فأتبعوهم مشرقين) .وورد في التوراة أن النبي موسى عليه السلام وجماعته عند ما عبروا البحر الى الشرق واغرق الله فرعون وجيشه ، ضربت مريم ابنة عمران الدف فرحاً بالنجاة والنصر على فرعون . والحقيقة الماثلة اليوم أن المنطقة التي تقع على الجهة المقابلة لعبري تسمى ( مريم بوت) : وتعني بالنوبية : أرض مريم أو منطقة مريم.
رحلة العـــــودة
كما ذكرت سابقاً أن الرحلة الأولى لبني إسرائيل كانت من الجنوب إلى مصر . يقول الله تعالى في القرآن الكريم(قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير أهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت علهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله) . الهبوط أي النزول في وادي النيل يعني الإتجاه نحو مصب النيل كما يعني الصعود العكس – نحو النابع – ومهمة موسى عليه السلام كان تحرير بني إسرائيل من عبودية المصريين بعد أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة والغضب الالهي، علماً بأن مصر آنذاك كانت تطلق على الأجزاء الشمالية من السودان الحالي وصعيد مصر وذلك حسب ما أجمع عليه المؤرخون ، علماً بأن الشمال المصري كان عبارة عن مستنقعات خالية من النشاط البشري .ويقول المؤرخ السنغالي الشيخ انتاديوب : أن ما كان يسمى بمصر قديماً هو السودان الحالي . في التوراة- سفر الخروج- إصحاح (8)آية (8 ) على لسان موسى عليه السلام(فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين واصعدهم إلى أرض جيدة واسعة تفيض عسلاً ولبناً ). وفي سفر التثنية –اصحاح 6-آية -1- ( أحفظ شهر أبيب واعمل فصحاً للرب لأن في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً ) شهر أبيب من الشهور القبطية المشهورة في المنطقة النوبية ، ويعتمد عليها النوبيون في توقيت زراعة المحاصيل المختلفة وتحديد ارتفاع وانخفاض النيل إلى يومنا هذا .
وبملاحظة عابرة في السرد التوراتي يتبين الغموض أكثر، لأن بعض المواقع التي مروا بها في خط سيرهم (العودة ) معروفة بأسمائها القديمة إلى اليوم. ورد في التوراة –سفر عد-إصحاح (33) آية (5) { فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت ثم ارتحلوا من سكوت(منطقة أثرية في شمال السودان) ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية ثم ارتحلوا من إيثام ورجعوا على فم الحيروث(قد تكون خشم القربة) وعبروا في وسط البحر إلى البرية وساروا مسيرة ثلاثة أيام في برية إيثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارة وأتوا إلى إيليم( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل شرق الزيداب)وكان في إيليم إثنا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك ثم ارتحلوا من إيليم ونزلوا على بحر سوف (النيل الأزرق كما وضحنا سابقاً ،فقلب حرف الفاء باءً شائع في النوبية مثلاً: للتمر : بَنت وفنت- والكلام بنجد وفنجد)ثم ارتحلوا من بحر سوف ونزلوا في برية سين،(برية سين : تعني بالنوبية : سينار وهو الأصل لإسم سنار المدينة السودانية، سين: تعني السرة بالنوبية أما (آر) فتعني البرية والأرض والمنطقة وتوجد مناطق نوبية كثيرة شبيهة مثل : كمنار: أرض الجمل- تمنار: أرض البطيخ- حيثمار:أرض الحيثيين . نجد كثيرأ من الأسماء النوبية منتشرة في بقاع العلم مما يجعل البعض يظن أن النوبيين أتوا منها ، والصحيح العكس وذلك لقدم الحضارة النوبية مقارنة ببقية الحضارات).أواصل في السرد التوراتي:ثم ارتحلوا من برية سين ونزلوا في دفقة }.وتستمر الرحلة وأثاء الرحلة قاموا بختان جميع أبناء الذين ولدوا في مصر وفي رحلتهم الطويلة ، ورد في التوراة بأن المنطقة التي ختنوا فيها أبناء هم سميت بإسم المختونين، والبلدة التي تحمل هذا الإسم في السودان هي ( مريدي) ومريدي باللغة النوبية تعني (المختونون).
من كتاب اللغة النوبية والحضارات القديمة/ الخير محمد حسين ابنعوف
اضف تعليقا